هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم , إنه الكتاب الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
إنه معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم الكبرى الخالدة على مر الدهر , إنه الهدى والرحمة والنور والشفاء لما في الصدور , إنه الكتاب المبارك المجيد , إنه الكتاب الذي لاريب فيه ولااختلاف ولاتناقض , إنه الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير , إنه الكتاب الذي هيمن على كل الكتب , ونسخ ماقبله من الشرائع.
إنه الكتاب الذي بين ما أخفاه أهل الكتاب , وأظهر ما كتمه أهل الزور , وهدم ماشيده المشركون , ودفع ما زخرفه المبطلون , إنه حجة الله على خلقه , فيه خبر ماقبلنا , ونبأ ما بعدنا , وحكم مابين أيدينا , هو الجدل ليس بالهزل , حق لاباطل فيه , وصدق لا كذب يعتريه , ما كان حديثا ًيفترى , بل هو أصدق الحديث , وأحسن القصص , وأفضل المواعظ , وأجمل الأخبار .
فيه الصدق في الخبر , والعدل في الحكم , والبيان الشافي , والجواب الكافي , أنيس الجليس ,وربيع القلب , ومزيل الهموم , ومذهب الغموم , ومجلي الأحزان , وصيقل الأذهان , يذهب الشك , يزيل الوساوس , يغرس اليقين , ويقوي الإيمان , تلاوته عبادة , وتدبره علم , والعمل به نجاة , والتحاكم إليه فوز , والاستشفاء به عافية , لايمل على كثرة الترداد , ولايسأم مع التكرار , غض طري , له حلاوة , وعليه طلاوة , يفيض حكمة , ويشع نوراً , ويسطع برهاناًز
رفيق الغربة , وطارد الوحشة , فيه العوض من كل أحد , والعزاء من كل مفقود , والسلوة من كل ذاهب , تُعمر به الأوقات , وترفع به الدرجات , وتتضاعف بتلاوته الحسنات , وتمحى بقراءته السيئات.
غرقت به بحار علومه أفكار العلماء , وأفحم في ميدان سباقه الحكماء , وانذهل لروعة بيانه الشعراء , وأسكت بجلال خطابه العر العرباء , عجب منه الجن , واندهش منه الإنس , ورميت عند نزوله الشياطينز
لو خوطب به الجبل لتصدع , ولو كُلِّم به الصخر لتفجع , ولو أُلقي على الحديد لتقطع , فيه العبرة والعظة , والرشد والنصيحة , والقصة والمثل , والخبر والشاهد , بيان وبرهان , هدى وفرقان , رحمة وإيمان .
شافع مشفع , وناطق مصدق , خُتمت به الكتب , وصُدِّرت به الخطب , وبنيت عليه الأحكام , وقام عليه الإسلام , وتألفت عليه القلوب , ونقض بنيان الشرك , وهدم به صرح الباطل , هو شرف الأمة , ووثيقة الملةز
ودليل الهداية , وسبيل الفلاح , وباب الفضيلة , وحبل العز ومفتاح السعادة , أشرق بيانه فكشفت شموس البلغاء , وقام سوق فصاحته فكسدت أسواق الأدباء , نزع جلباب الباطل عن وجوه الملاحدة , وخلع رداء الزور عن أكتاف الجبابرة.
أرغم بحجته أنوف الضلال , ودمغ بصدقه رؤوس الجهّال , كشف الزيف , ورفع الحيف , محفوظ من الزيادة والنقصان , محروس من التبديل والتحريف , معصوم من الزيغ والهوى , مكتوب في اللوح المحفوظ , مسطِّر في صحف مكرمة , مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة.
فمن أراد الفوز والنجاة فعليه بالقرآن تلاوةً وعملاً؛ ليصل إلى بر الأمان , ونعيم الجنان في جوار الرحمن (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) .
ومن أراد السعادة والفلاح فعليه بالقرآن اهتداءً واتباعاً؛ لينعم بقرة العين , وراحةالروح , وبهجة النفس (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) .
ومن أراد العزة والسمو والمجد فعليه بالقرآن اقتداءً وامتثالاً؛ ليحصل على تاج القبول , ووسام الشرف , ومرتبة السيادة والقيادة (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) .
ومن أراد العلم والمعرفة فعليه بالقرآن تفقهاً وتديراً؛ لينجلي عن بصيرته كل جهل , ويزول عن فهمه كل غبش (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) .
الكاتب: د. عائض القرني
المصدر: موقع جوامع الكلم